مركز بداية

متى يتم عرض الطفل على اخصائي تخاطب؟

يواجه بعض الأطفال صعوبات في النطق أو تأخرًا في الكلام مقارنةً بأقرانهم، وقد يتساءل الأهل: متى يستدعي الأمر زيارة اخصائي تخاطب (أخصائي علاج النطق واللغة) للتقييم والمساعدة؟ في هذا المقال سنشرح بطريقة مبسطة دور أخصائي النطق والتخاطب، ونستعرض العلامات المبكرة لتأخر النطق أو اللغة، مع أمثلة لحالات يكون فيها التدخل ضروريًا وأخرى قد يكون التأخر فيها ضمن التطور الطبيعي.

ما هو مجال التخاطب ودور أخصائي النطق والتخاطب؟

woman reading stories children

اخصائي التخاطب هو أخصائي صحي مدرَّب على تقييم وعلاج مشاكل التواصل واضطرابات النطق واللغة​، ويشمل مجال التخاطب معالجة مجموعة واسعة من الحالات لدى الأطفال، منها مثلًا: تأخر الكلام (صعوبة في التعبير أو الفهم)، ومشاكل النطق ومخارج الحروف، والتلعثم (التأتأة)، واضطرابات الصوت، بل وحتى صعوبات البلع وتقبل الأطعمة.

يقوم أخصائي التخاطب بإجراء تقييم شامل لقدرات الطفل التواصلية، ويتعرّف على مواطن الضعف أو التأخر، ثم يضع خطة علاجية مخصّصة تتضمّن تمارين وأنشطة لتحسين مهارات الكلام واللغة لدى الطفل. فالعلاج بجلسات التخاطب هو عملية تفاعلية تتضمن اللعب والتكرار والتدريب اللفظي في جو مرح وداعم، والهدف منها هو مساعدة الطفل على التواصل بشكل أفضل مع محيطه​.

العلامات المبكرة التي تشير إلى تأخر النطق أو اللغة

من المهم للأهل مراقبة تطور مهارات التواصل عند الطفل منذ الأشهر الأولى، فهناك علامات مبكرة قد تنبّهنا إلى وجود تأخر أو اضطراب في النطق أو اللغة، إليكم بعض الإشارات التحذيرية بحسب الفئة العمرية:

  • عمر 6 – 12 شهرًا

عدم استجابة الطفل للأصوات أو اسمه، أو غياب المناغاة (Babbling) بحروف مثل «دادا» و«بابا». أيضًا، إذا لم يبدأ باستخدام إيماءات بسيطة مثل التلويح بــ«باي باي» أو الإشارة إلى الأشياء بعمر 9-12 شهر، فقد يكون هناك تأخر في التطور اللغوي​​. على سبيل المثال، عدم محاولة قول «ماما» أو «بابا» بعمر سنة يعد من العلامات التي تستدعي الانتباه.

  • تأخر النطق في عمر 12 – 18 شهرًا

يتوقع في هذا العمر أن ينطق الطفل عدة كلمات مفردة ويستخدم الإشارات للتعبير عما يريد. إذا كان الطفل بعمر سنة ونصف لا يقول سوى عدد قليل جدًا من الكلمات (أقل من 5-10 كلمات) ولا يفهم تعليمات بسيطة مثل «تعال» أو «أعطني الكرة»، فقد يشير ذلك إلى تأخر في الكلام​​. أيضًا رفض الطفل للكلام واستمراره في الاعتماد على الإيماءات فقط للتعبير بدل محاولة نطق الكلمات يعتبر علامة مبكرة للتأخر​.

  • تأخر النطق في عمر 18 – 24 شهرًا

غالبية الأطفال في عمر سنتين يكون لديهم حصيلة جيدة من الكلمات (قد تصل إلى 50 كلمة أو أكثر)، ويبدؤون بتركيب كلمتين معًا (مثل «ماما نانا» أي ماما تريد تنام). إذا بلغ الطفل عمر السنتين وهو ينطق أقل من 50 كلمة ولا يستطيع تركيب كلمتين معًا للتعبير (مثل «أبغى مويا» أو «ماما يلا») فهذه علامة واضحة على تأخر النطق​.

القاعدة العامة بحسب المختصين: الطفل الذي لا يصل حصيلته إلى 10 كلمات مع بلوغه 18 شهرًا، أو أقل من 50 كلمة عند 21-30 شهرًا يُعتبر متأخرًا في النطق نسبيًا​. على سبيل المثال، طفل عمره سنتان ولا يستخدم سوى بضع كلمات مفردة (مثل ماما، بابا، لا) دون أي كلمات أخرى قد يحتاج إلى تقييم نطق وتخاطب.

  • تأخر النطق في عمر 2 – 3 سنوات

يبدأ الطفل في السنة الثالثة بصياغة جمل بسيطة من 3 كلمات أو أكثر، وتتحسّن قدرته على التعبير عمّا يريد. من العلامات المثيرة للقلق في هذه المرحلة أن يكون كلام الطفل غير مفهوم لمعظم الغرباء (أي غير الوالدين) بشكل كبير، أو أن يواجه صعوبة في تكوين جملة بسيطة من كلمتين إلى ثلاث كلمات.

أيضًا إذا كان الطفل بعمر 3 سنوات لا يفهم التعليمات البسيطة أو لا يستطيع المشاركة في حوار أو لعبة كلامية بسيطة مع الأطفال الآخرين، فقد يكون لديه تأخر في اللغة الاستقبالية أو التعبيرية​. مثال ذلك: إذا كان الطفل لا يستطيع اتباع أمر مثل «اجلب حذاءك من الغرفة» أو لا يتمكن من الإجابة على أسئلة بسيطة بــ«نعم/لا» أو «أين كذا؟» في عمر ثلاث سنوات، فهذه إشارة تستحق الفحص.

  • تأخر النطق في أي عمر

فقدان أي مهارات لغوية مكتسبة سابقًا (مثل أن يتوقف الطفل عن قول كلمات كان يقولها أو يتراجع في قدرته على التواصل) هي علامة إنذار مهمّة تستدعي عرض الطفل فورًا على أخصائي. أيضًا، وجود تلعثم واضح ومستمر (تكرار أو إطالة في الأصوات والكلمات) بشكل يثير قلق الأسرة، أو صوت غير طبيعي (مثل بحة شديدة أو خنه مستمره) كلها إشارات لا ينبغي تجاهلها.

هذه العلامات المبكرة لا تعني بالضرورة وجود مشكلة خطيرة، لكنها تنبّهنا للحاجة إلى تقييم متخصص. كثير من الأطفال قد يبدون بعض التأخر البسيط ثم يلحقون بأقرانهم لاحقًا، لكن رصد العلامات والتشخيص مبكرًا يساعد على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.

التطور الطبيعي مقابل تأخر النطق: متى يكون التدخل ضروريًا؟

school girl with yellow shirt telling secret

من التحديات التي تواجه الأهل هي التمييز بين التأخر البسيط الذي قد يكون ضمن نطاق التطور الطبيعي لكل طفل، وبين التأخر الحقيقي الذي يستوجب تدخلاً من أخصائي النطق والتخاطب. ويختلف التطور اللغوي لدى الأطفال من طفل لآخر إلى حد ما، لكن هناك معايير عامة تساعدنا في الحكم. فيما يلي بعض الحالات والأمثلة للتوضيح:

حالة 1: طفل متأخر ضمن الطبيعي (Late Bloomer)

مثال: طفل عمره سنتان ونصف لا يستخدم سوى حوالي 30-40 كلمة ولكنه يفهم أغلب ما يقال له ويستخدم الإشارة والتعبير غير اللفظي بشكل فعال للتواصل. هذا الطفل قد يكون فقط متأخرًا قليلاً عن المتوسط لكنه لا يظهر عوامل خطر أخرى. كثير من الأطفال الذين يتحدثون في وقت متأخر لا يعانون من مشاكل صحية أو إدراكية وبعضهم قد لا يبدأ بالكلام الواضح حتى عمر 3 أو 4 سنوات ثم يكتسب اللغة سريعًا بعدها دون مشاكل طويلة المدى​.

إن كان الطفل يفهم التعليمات ويظهر رغبة في التواصل (حتى لو بإشارات أو أصوات غير واضحة) ولا توجد مشاكل أخرى ظاهرة، يمكن للأهل مراقبته لبضعة أشهر مع تحفيزه لغويًا في المنزل. في هذه الحالة يكون التأخر ربما جزءًا من مراحل نمو الطفل وسيزول مع الوقت​. مع ذلك، يُنصح باستشارة مختص لإجراء تقييم سمعي ولغوي للتأكد من عدم وجود سبب خفي وتأمين راحة بالك.

حالة 2: تأخر يتطلب تدخل مبكر

مثال: طفل بعمر سنتين لا ينطق أي كلمة مفهومة على الإطلاق، أو طفل بعمر 3 سنوات لا يستطيع تركيب جملة من كلمتين ويستخدم أقل من 20 كلمة. هذا التأخر يتجاوز الحدود الطبيعية للتفاوت الفردي، ويستدعي التدخل دون انتظار أطول​. أيضًا وجود علامات مقلقة مصاحبة مثل عدم فهم الطفل لما يُطلب منه، أو عدم تواصله البصري والاجتماعي بشكل طبيعي، أو وجود عوامل خطر (كأن يكون قد عانى من التهاب أذن وسطى متكرر أثر على سمعه، أو لديه تاريخ ولادة مبكرة أو وزن منخفض عند الولادة) تزيد ضرورة التقييم الفوري. في هذه الحالات يجب عرض الطفل على اخصائي تخاطب لإجراء تقييم شامل للغة والنطق والسمع أيضًا​.

قد يكشف التقييم عن حالة تأخر لغة تعبيري فقط، أو مشكلة سمعية، أو اضطراب نمائي كالتوحد أو فرط الحركة وتشتت الانتباه – وكل منها له خطة تدخل مختلفة. القاعدة الذهبية هنا: إذا كان التأخر كبيرًا لدرجة يعيق تواصل الطفل اليومي أو يلحظه المحيطون بوضوح، فلا تنتظر طويلاً واطلب المساعدة المختصة مبكرًا.

حالة 3: التلعثم (التأتأة) ومتى نقلق

كثير من الأطفال بين عمر 3-5 سنوات قد يمرون بفترة من التلعثم الطبيعي التطوري أثناء تطور الكلام، حيث يعيدون بعض المقاطع أو يترددون في الحديث. غالبًا ما يكون ذلك مؤقتًا ويختفي من تلقاء نفسه خلال عدة أشهر. مثلًا، طفل في الرابعة من عمره يتلعثم أحيانًا عند الحماس أو التعب ولكن ذلك لا يزعجه كثيرًا ولا يؤثر على تواصله مع الآخرين – هذا قد نعتبره مرحلة طبيعية يمر بها البعض.

لكن متى نعتبر التلعثم مشكلة؟ ينصح المختصون أنه إذا استمر التلعثم بشكل واضح ومتكرر لمدة تمتد من ٦ أشهر إلى سنه، أو بدأ يسبب للطفل ضيقًا أو تجنبًا للكلام، فيجب التدخل. على سبيل المثال، طفل في التاسعة لا يزال يتلعثم بصورة ملحوظة ويشعر بالإحباط من الكلام – هذا بحاجة إلى علاج نطق متخصص في الطلاقة. 

حالة 4: تفاوت مخارج الحروف واضطرابات النطق

بعض الأطفال ينطقون بعض الأصوات بشكل خاطئ أو غير واضح (مثلاً إبدال حرف بحرف كأن يقول «ثيارة» بدل «سيارة» أو حذف أصوات من الكلمات). الكثير من هذه الأخطاء طبيعي قبل عمر 4 سنوات، حيث لا تتقن غالبية الأطفال كل الأصوات إلا حوالي 5-6 سنوات.

لكن إذا كان الطفل بعمر 5 سنوات ولا يزال يصعب فهم كلامه بسبب كثرة الأخطاء في مخارج الحروف، أو ينطق أصواتًا يفترض أنها تُكتسب مبكرًا بشكل غير صحيح (مثل حروف ب، م، ك، ف)، فقد يحتاج لتدخل الأخصائي. مثال: طفل في الخامسة يستصعب نطق معظم الحروف ويفهمه المقربون فقط بالكاد – هنا يُنصح بعرضه على أخصائي لتقييم اضطرابات النطق. أما لو كان الخطأ مقتصرًا على صوت أو اثنين (مثل لثغة في حرف /س/ أو /ر/) فيمكن التريث حتى 6 سنوات ومساعدة الطفل بتدريبات بسيطة في المنزل، وإن لم يتحسن يُعرض على مختص.

باختصار، يعتمد القرار بين الانتظار والتدخل على حجم التأخر ووجود علامات مصاحبة. إذا كان التأخر طفيفًا والطفل يحرز تقدمًا تدريجيًا ولا توجد مظاهر مقلقة أخرى، قد يكون الانتظار الحذر مع التحفيز كافيًا. أما إذا كان التأخر واضحًا ويتعارض مع تواصل الطفل أو يرافقه مؤشرات غير مطمئنة (كفقدان مهارات أو مشاكل فهم)، فالتدخل المبكر أفضل.

أهمية التشخيص والتدخل المبكر

التدخل المبكر هو المفتاح لمعالجة مشاكل النطق واللغة، فكلما بدأ التشخيص والعلاج في عمر أصغر، كانت فرصة تحسن الطفل أكبر وأسرع​، والسبب في ذلك هو أن دماغ الطفل الصغير يكون في مرحلة مرنة وقابل للتشكل السريع، واكتساب المهارات اللغوية يكون أسهل قبل أن تترسخ أنماط تواصل غير سليمة أو قبل أن يؤثر التأخر على ثقة الطفل بنفسه. إليك أهم أسباب تجعل التشخيص المبكر ضروريًا:

  • استبعاد الأسباب الطبية أو الحسية

أحيانًا يكون تأخر الكلام ناتجًا عن مشكلة طبية قابلة للحل (مثل ضعف سمع ناتج عن سوائل في الأذن الوسطى). بالتشخيص المبكر يمكن اكتشاف مثل هذه الأسباب ومعالجتها فورًا إن وجدت، مما يقي الطفل من تأخر أكبر في اللغة. على سبيل المثال، إذا تبين أن الطفل لا يسمع جيدًا فسيتم علاج السبب (كتركيب أنابيب تهوية للأذن) إلى جانب جلسات النطق والتخاطب، وهذا أفضل من تأخير التشخيص حتى يكبر الطفل ويتراكم التأخر اللغوي لديه.

قد يهمّك أيضًا قراءة مقال: ما علاقة ضعف السمع باضطرابات النطق عند الأطفال؟

  • وضع خطة علاجية مخصّصة في الوقت المناسب

بعد التقييم الموضوعي من قبل المختص، سيتم تحديد طبيعة التأخر بالضبط (هل هو تأخر لغة أم اضطراب نطق أم مشكلة طلاقة… إلخ)​. بناءً على التشخيص، توضع خطة علاج فردية تناسب حالة الطفل. التدخل المبكر يعني أن الطفل سيبدأ تدريبات النطق أو اللغة في العمر الأمثل، مما يساعده على اللحاق بأقرانه بسرعة أكبر. تشير الأبحاث إلى أن الكثير من الأطفال الذين يتلقون علاج النطق مبكرًا (في عمر 2-4 سنوات مثلًا) يحققون تقدمًا كبيرًا ويلحقون بجوانب عديدة بأقرانهم​.

  • منع تفاقم المشكلة وتداعياتها النفسية

 إذا تُرك تأخر الكلام دون علاج قد يؤثر على الطفل نفسيًا واجتماعيًا مع الوقت؛ فمع دخوله الروضة أو المدرسة قد يواجه صعوبة في التفاعل أو يتعرض للتنمر من الأقران بسبب طريقة كلامه. التشخيص والعلاج المبكر يحميان الطفل من هذه التجارب السلبية عبر تصحيح مسار تطوره اللغوي قبل سن المدرسة قدر الإمكان. أيضًا بعض الاضطرابات (مثل التلعثم) إذا لم تُعالج مبكرًا قد تصبح أكثر رسوخًا مع التقدم في العمر. بالتدخل مبكرًا، يمكن تقليل شدة التلعثم أو حتى التخلص منه في الصغر​.

  • إرشاد الأهل ومشاركتهم في الخطة

جزء مهم من التدخل المبكر هو توجيه الأهل إلى أفضل أساليب التعامل مع حالة الطفل في الحياة اليومية. الأخصائي سيعطيك صورة واضحة عن قدرات طفلك وكيفية مساعدته، وسيزوّدك بتقنيات لتعزيز اللغة في الروتين اليومي. هذا الدعم والإرشاد المبكر يمنح الأهل ثقة وفاعلية أكبر في مساعدة طفلهم، بدل حالة الحيرة والقلق عند التأخر في طلب المشورة.

لا شك أن بعض الأهل قد يشعرون بالتردد أو الإنكار في البداية، من منطلق: «سيتحسن لوحده بعد فترة، لا أريد تضخيم الموضوع». لكن يجب الموازنة بين الانتظار الهادئ والمراقبة، وبين تفويت مرحلة ثمينة كان من الممكن فيها للطفل أن يتقدم بشكل أسرع.

والتشخيص المبكر لا يعني بالضرورة البدء بالعلاج فورًا إن لم يكن ضروريًا؛ أحيانًا يطمئنك الأخصائي بأن الوضع ضمن الحدود الطبيعية ويعطيك نصائح منزلية ثم يحدد متابعة بعد بضعة أشهر. وفي أحيان أخرى يؤكد الحاجة للعلاج ويشرح لك مسار جلسات النطق والتخاطب. في الحالتين، أنت كوالد ستكسب معرفة وفهمًا أعمق لوضع طفلك مما يساعدك على دعمه بأفضل شكل. لذا ننصح أن تتجاوز القلق أو الخوف وتبادر بالسؤال والاستشارة مبكرًا؛ فأنت بذلك تقوم بخطوة إيجابية لمصلحة طفلك المستقبلية​.

كيف يمكن للأهل دعم الطفل في المنزل؟

mother reading book with son children room

دور الأهل محوري في تطوير لغة الطفل، فجلسات التخاطب الأسبوعية وحدها لا تكفي دون بيئة منزلية غنية وداعمة. إليك بعض الطرق التي يمكن بها للأهل دعم الطفل لغويًا في المنزل، بما في ذلك تمارين مفيدة للتخلص من التلعثم وتحسين الطلاقة: 

  • أطلِق العنان للحديث والتفاعل اليومي

أكثِر من التكلم مع طفلك خلال الأنشطة اليومية العادية. صِف ما تقومان به («الآن سنرتدي الحذاء الأحمر»، «انظر إلى الطائرة في السماء») ووجّه له أسئلة بسيطة حتى لو كنت تعرف أنه لن يجيب عليها لفظيًا في البداية. استمع له باهتمام عندما يصدر أصواتًا أو كلمات وحاول الرد عليها وتوسيعها (إذا قال «سيارة» يمكنك أن تقول «نعم، سيارة حمراء كبيرة»). هذا الحوار المستمر يعلّم الطفل مفردات جديدة ويشجعه على تقليد الكلمات​. أيضًا شاركه الألعاب التفاعلية التي تتطلب أخذ أدوار (كالتخيل واللعب التمثيلي) لأنها تحفّز التواصل.

  • القراءة اليومية للقصص والكتب المصورة

خصّص وقتًا يوميًا أو شبه يومي لقراءة قصة لطفلك. اختر كتبًا مناسبة لعمره ذات صور ملونة وكلمات بسيطة مكررة. أثناء القراءة، أشر إلى الصور وسمِّ الأشياء واطرح أسئلة («أين القطة؟ ماذا تفعل البطة؟») ودع الطفل يشارك حسب قدرته. القراءة بصوت عالٍ تثري لغة الطفل وتعرّفه على تركيب الجمل وكيفية سرد الأحداث.

حتى ولو كان لا يفهم كل شيء، فهو يلتقط نغمات اللغة ومفرداتها. هذه العادة أيضًا تقوي علاقة الأهل بالطفل في جو ممتع. يمكنك أيضًا سرد حكايات قصيرة بدون كتاب، أو الغناء مع الطفل – فالأغاني التعليمية الممتعة تساعد في لفظ الأصوات بشكل ممتع.

  • التشجيع والصبر وتجنب التصحيح الزائد

عندما يحاول طفلك الكلام، امنحه الوقت الكافي لينهي كلامه دون مقاطعة أو إكمال الجملة عنه، حتى لو كان بطيئًا أو متلعثمًا. أنصت له بهدوء وانظر في عينيه واظهر له أنك مهتم بفهم رسالته لا بطريقة نطقه فقط. إذا أخطأ في كلمة، لا توبّخه أو تنتقد نطقه، بل يمكنك إعادة الكلمة بشكل صحيح ضمن ردك دون تأنيب.

مثلاً لو قال «أبغى تاعة» تقصد «ساعة»، يمكنك الرد: «أنت تريد الساعة؟ هذه ساعة جميلة»، وبذلك سمع النطق الصحيح دون إحباط. التعزيز الإيجابي مهم جدًا؛ امتدح جهود طفلك في الكلام («أنا فخور لأنك حاولت أن تقول الكلمة») حتى لو كانت المحصلة غير كاملة. هذا يبني ثقته بنفسه ويجعله أكثر رغبة في الكلام​.

  • بناء الثقة والتعامل الإيجابي مع مشاعر الطفل

التأخر في الكلام أو التلعثم قد يسببان للطفل إحباطًا أو خجلًا خصوصًا مع احتكاكه بأطفال يتكلمون بطلاقة. هنا يأتي دور الأهل في طمأنة الطفل ودعمه نفسيًا باستمرار. أكّد لطفلك أن التلعثم أو التأخر ليس خطأه وليس شيئًا يجعله أقل شأنًا. تجنّب عبارات مثل «تكلّم بسرعة» أو «لماذا لا تتكلم مثل أخيك!» فهي تزيد الضغط عليه. بدل ذلك قل له: «خذ راحتك، أنا أستمع لك»، «أعرف ما تريد قوله، قلها على مهلك».

إذا شعر الطفل بالغضب لأنه لم يُفهم كلامه، عبّر له عن تفهمك: «أعلم أنك أحيانًا تشعر بالتعب عندما لا تخرج الكلمة بسهولة، لا بأس، سنحاول معًا». بناء جو من الأمان والتقبّل في المنزل مهم جداً ليشعر الطفل بالراحة في التعبير دون خوف​. كذلك أشرك بقية أفراد الأسرة في هذا الدعم؛ على الجميع التحلي بالصبر واللطف في التعامل مع طريقة كلام الطفل. يمكنك أيضًا ابتكار أنشطة تعزز ثقته، مثلاً اعطه دور «المذيع» ليتحدث عبر ميكروفون لعبة أمام العائلة مع تشجيع وتصفيق، أو اجعله يُعلّم إخوته الصغار كلمات جديدة وكأنه الخبير – هذه التجارب الإيجابية تقوي شعوره بقدرته على التواصل.

متى يُفضَّل مراجعة عيادة تخاطب ونطق وما الذي نتوقعه في أول جلسة؟

smiling portrait girl female psychologist having conversation office

بعد ملاحظة العلامات والتأكّد من وجود تأخر نطق يحتاج لتدخل، قد يسأل الأهل: أين نذهب؟ وماذا سيحدث خلال الزيارة الأولى؟ بشكل عام، يفضَّل مراجعة مركز أو عيادة تخاطب متخصصة عندما تلاحظ أن تأخر طفلك تخطى الحدود الطبيعية لعمره (كما فصلنا سابقًا) أو إذا ساورتك الشكوك وكنت بحاجة لتقييم احترافي.

تتوفر عيادات ومراكز متعددة تقدم خدمات تقييم وعلاج النطق واللغة؛ عيادة تخاطب بالرياض مثل مركز بداية تعد خيارًا موثوقًا حيث يعمل فيها فريق من أخصائيي النطق واللغة ذوي الخبرة. لا تنتظر وصول التأخر لمراحل متقدمة أو تأثيره على نفسية طفلك؛ فحتى استشارة واحدة مبدئية يمكن أن تعطيك صورة أوضح. كثير من الأهالي يلاحظون شيئًا مقلقًا ولكنهم يترددون ظنًا أن الطفل «سيكبر ويتحسن لوحده».

صحيح أن بعض الحالات تتحسن تلقائيًا، لكن تحديد ذلك يجب أن يتم من قبل مختص. لذلك إذا ساورك القلق، احجز تقييم نطق لطفلك للاطمئنان. ماذا سيحدث في أول جلسة تخاطب؟ غالبًا ما تكون الزيارة الأولى عبارة عن جلسة تقييم شاملة يقوم بها أخصائي التخاطب. لا تقلقوا، فالأمر لطيف أشبه بجلسة لعب وتعريف بالطفل أكثر من كونه «اختبارًا» بمعناه التقليدي. سيقوم الأخصائي بالتعرف على الطفل من خلال بعض الألعاب التفاعلية والنظر في كيفية تواصله​.

ربما يطرح عليكم (كوالدين) أسئلة تفصيلية حول التاريخ التطوري لطفلك:

  • متى بدأ المناغاة؟
  • متى نطق كلمته الأولى؟
  • كيف يتواصل في البيت؟
  • وهل هناك عوامل حمل أو ولادة قد تكون ذات صلة​؟

جزء من التقييم قد يكون قياسًا رسميًا لقدرات اللغة أو النطق بواسطة اختبارات معيارية أو قوائم تحقق، حيث يطلب الأخصائي من الطفل تسمية بعض الصور أو تنفيذ تعليمات معينة ومراقبة استجابته​. لا تقلق إن بدا لك أن الأخصائي «يلعب فقط» مع طفلك – فهو في الحقيقة يجمع المعلومات من خلال اللعب والملاحظة الدقيقة لكل ما يقوله الطفل أو يفعله​.

قد يتم أيضًا فحص أعضاء النطق لدى الطفل (اللسان، الشفتين، إلخ) بشكل سريع للتأكد من سلامتها، وكذلك تقييم مستوى الفهم اللغوي عبر أسئلة بسيطة أو إرشادات. في بعض الحالات قد يوصي الأخصائي بإجراء فحص سمع إذا لم يكن قد أجري من قبل، للتأكد من أن السمع سليم بما فيه الكفاية لتطور اللغة.

بنهاية جلسة التقييم، سيشارك الأخصائي معكم النتائج الأولية. سيخبركم هل لدى الطفل تأخر فعلي وفي أي جانب بالتحديد (مثلاً تأخر لغة تعبيرية فقط، أم مشكلة نطق معينة في مخارج الأصوات، أم تأخر شامل، وهكذا). إن كان الطفل بحاجة إلى جلسات علاجية، سيقترح عدد الجلسات أسبوعيًا والخطة المبدئية للأهداف العلاجية. سيتاح لكم طرح الأسئلة ومناقشة أي مخاوف. ربما يعطيكم المختص أيضًا بعض النصائح الأولية للعمل مع الطفل في البيت قبل بدء الجلسات.

تذكّر أن الجلسة الأولى هي بداية الطريق – قد لا يتضح كل شيء بنسبة 100% خلالها، لكنك ستخرج بفهم أوضح لوضع طفلك وخطة لمساعدته. أيضًا تعتبر هذه الزيارة فرصة للطفل ليتعرف على المكان والأخصائي ويكوّن شعورًا بالراحة تدريجيًا. من الطبيعي أن يكون بعض الأطفال خجولين أو مترددين في البداية؛ لدى أخصائي النطق والتخاطب طرق لجعل الطفل يشعر بالأمان (كأن يبدأ باللعب بالدمى أو الفقاعات لجذب الطفل). أنت أيضًا كأم أو أب ستكون جزءًا من الجلسة – غالبًا سيُطلب منك الحضور مع الطفل وتشجيعه والمشاركة عند الضرورة​، لأن وجودك بجانبه يمنحه الطمأنينة.

دور مركز بداية في التشخيص والتأهيل

female psychologist helping girl speech therapy

يعد مركز بداية مثالًا بارزًا على المراكز المتخصصة في تشخيص وتأهيل اضطرابات النطق والتواصل. يتميز المركز باتباع نهج علمي حديث في التقييم والعلاج، حيث يُقدم تقييمات مخصصة وتدخلات قائمة على الأدلة العلمية وخطط علاجية فردية لكل طفل بهدف مواجهة تحديات التواصل بفعالية​.

يعمل في مركز بداية فريق متكامل من أخصائيي النطق واللغة وذوي الاختصاصات المساندة، مما يضمن النظر إلى حالة الطفل من جميع الجوانب ووضع خطة شاملة تراعي احتياجاته الفردية. الأهم من ذلك، يحرص المركز على مرافقة الأهل في خطة العلاج خطوة بخطوة؛ يتم إشراك الوالدين وتدريبهم على الاستراتيجيات المنزلية لضمان استمرارية التحسن في بيئة الطفل الطبيعية.

أجواء مركز بداية معروفة بأنها داعمة ومرحبة بالأطفال وأسرهم، حيث يراعي الأخصائيون الجانب النفسي للطفل في الجلسات فيمارسون العلاج عبر اللعب والأنشطة المحببة للصغار، مع توفير احتواء أسري يشعر معه الوالدان بالراحة والثقة. يتم كل ذلك ضمن إطار من الاحترافية العالية واحترام خصوصية كل أسرة، فهدف المركز هو بناء شراكة حقيقة مع الأهل لتمكين الطفل من تخطي صعوبات التواصل وتعزيز جودة حياته.

ختامًا، تذكّر أن لكل طفل إيقاعه الخاص في التطور، لكن أيضًا التشخيص المبكر مهم لحسم الأمر: هل هو مجرد تفاوت طبيعي أم مشكلة تتطلب علاجًا​. الحصول على استشارة متخصصة لن يضر؛ بل قد يطمئنك إن كان كل شيء طبيعيًا، أو يوجهك للخطة المناسبة إن كان هناك تأخر فعلي.

الأسئلة الشائعة

هل تأخر النطق يعني مشكلة في الذكاء؟

لا، ليس بالضرورة على الإطلاق. العديد من الأطفال ممن لديهم تأخر في النطق أو الكلام يتمتعون بذكاء طبيعي تماما​. تأخر النطق قد تكون أسبابه مرتبطة بعوامل أخرى كثيرة (مثل عوامل وراثية في تطور اللغة، أو بيئية كتعدد اللغات في المنزل، أو صحية كضعف سمعي بسيط) ولا يعني أن الطفل غير ذكي.
بالطبع، هناك حالات يكون فيها التأخر اللغوي جزءًا من صورة أوسع تتضمن تأخرا نمائيًا أو إدراكيًا، لكن لا يمكن الحكم على ذكاء الطفل من قدرته على الكلام فقط. الكثير من الأطفال الأذكياء مروا بمرحلة تأخر في الكلام ثم لحقوا بأقرانهم فيما بعد. لذا يجب تقييم الطفل بشكل شامل من قبل مختص قبل استخلاص أي استنتاج. التركيز ينبغي أن يكون على كيفية مساعدة الطفل على تطوير اللغة، وليس افتراض قدراته الذهنية من كلماته القليلة

كم عدد الجلسات التي يحتاجها الطفل عادة؟

هذا الأمر يختلف بشكل كبير حسب طبيعة المشكلة وشدتها وحسب استجابة الطفل للعلاج. لا يوجد رقم يناسب الجميع. قد يحتاج الطفل الذي لديه تأخر بسيط في نطق صوت أو صوتين إلى عدد قليل من الجلسات (ربما بضعة أسابيع) للتصحيح، بينما طفل لديه تأخر لغة شامل ربما يستمر في الجلسات لفترة أطول تمتد لأشهر أو أكثر.
بشكل عام، يُنصح بجلسات منتظمة (مثلا أسبوعية) ويتم تقييم تقدم الطفل كل فترة. بعض الدراسات أشارت إلى أن معظم الأطفال يحتاجون حوالي 15 إلى 20 ساعة من جلسات النطق والتخاطب ليبدأ تحسّن ملحوظ في المهارات، أي ما يعادل تقريبًا جلسات على مدار 2-3 أشهر في المتوسط​.
لكن مجددًا، هذه مجرد تقديرات قد تزيد أو تنقص. يعتمد الأمر أيضا على مدى ممارسة التمارين في المنزل: فالأهل الذين يطبقون إرشادات الأخصائي ويلعبون دورا فاعلا يساهمون في تسريع التحسن وتقليل مدة العلاج اللازمة. خلال الزيارة التقييمية، يمكن أن يعطيك أخصائي النطق والتخاطب فكرة مبدئية عن عدد الجلسات المتوقع بناءً على خبرته مع حالات مشابهة، ولكن ستتضح الصورة أكثر بعد رؤية تقدم الطفل في أول شهر أو شهرين من العلاج. تذكّر أن الجودة والانتظام أهم من العدد؛ جلسات قليلة منتظمة ومدعومة بنشاط منزلي فعال قد تغني عن جلسات كثيرة متباعدة بدون متابعة

هل يمكن علاج التلعثم تمامًا؟

يمكن بشكل كبير تحسين التلعثم لدى الأطفال – وفي الكثير من الحالات الصغيرة يزول التلعثم تمامًا مع العلاج المبكر. 
العديد من الأطفال قبل سن المدرسة تمكنوا عبر جلسات التخاطب وتقنيات الطلاقة من التخلص من التلعثم نهائيًا أو إلى حد كبير. أما إذا استمر التلعثم إلى ما بعد سن السابعة وتأخر التدخل، فقد يصعب علاجه بشكل كامل​. وهذا لا يعني أنه لا يتحسن أبدًا – بالعكس، حتى في الأعمار الأكبر والمراهقة هناك علاجات فعالة تساعد على التحكم في التلعثم وتقليلها بشكل كبير وتحسين ثقة المتلعثم بنفسه أثناء الكلام. لكن المقصود أن احتمال “الاختفاء التام” للتلعثم يكون أقل بعد عمر معين وتبقى بعض الآثار الطفيفة التي يتعلم الشخص التكيف معها. بشكل عام، علاج التلعثم يهدف إلى تعليم الشخص طرقًا للتحكم بطلاقته أكثر من كونه “دواء شافٍ” يختفي معه التلعثم بين ليلة وضحاها​.
الخبر الجيد هو أن الغالبية العظمى ممن يخضعون للعلاج يتحسنون بشكل ملحوظ ويستطيعون التحدث بطلاقة أفضل بكثير من البداية. لذلك نعم، يمكن للتلعثم أن يتلاشى تمامًا خاصة لدى الصغار، وإن لم يزل كليًا فسيكون بمقدور الطفل التحدث بثقة وسلاسة أكبر بكثير من دون علاج


المصادر:

  1. When Should an Adult See a Speech Pathologist?
  2. Ten Signs Your Child Might Benefit From Therapy with a Pediatric Speech Pathologist
  3. Speech-Language Pathologist
  4. Early Intervention Speech Therapy for Children: A Complete Guide
  5. Age-Appropriate Speech and Language Milestones (Stanford Medicine Children’s Health)
  6. Guidelines on When to Refer for Speech-Language Pathology Services

أضف تعليق