التلعثم (أو التأتأة) اضطراب في طلاقة الكلام يظهر غالبًا في مرحلة الطفولة المبكرة، وقد يواجه الطفل المتلعثم صعوبة في بدء الكلمات أو جمل، أو يُكرر أصواتًا ومقاطع بشكل لا إرادي. وعلى الرغم من أن أسباب التلعثم معقدة ومتعددة العوامل (بيولوجية ونفسية)، إلا أن دور الأسرة يُعد جوهريًا في مساعدة الطفل على تجاوز هذه الصعوبة. فالدعم الأسري والتوجيه الصحيح يمكن أن يحدثا فارقًا كبيرًا في تحسين طلاقة الكلام لدى الطفل وثقته بنفسه. في هذا المقال سنستعرض بالتفصيل كيف يمكن للأسرة المساهمة بشكل فعّال في تقليل التلعثم عند الأطفال، من خلال الدعم النفسي وأساليب يمكن استخدامها في المنزل والتواصل مع المختصين.
أهمية الدعم الأسري في تحسين الطلاقة الكلامية
إن البيئة الأسرية الداعمة حجر الأساس لعلاج صعوبات النطق بما فيها التلعثم. عندما يشعر الطفل بأن أسرته تتفهم حالته وتقبله دون انتقاد، يتراجع شعوره بالقلق أو الخجل من الكلام، مما يشجعه على التحدث بحرية أكبر. وبالعكس، فإن التوتر الزائد أو السخرية أو الضغط في جو المنزل قد يؤدي إلى تفاقم التلعثم.
لذا فإن الدعم العاطفي والمعنوي من الوالدين يمنح الطفل الأمان اللازم للمحاولة والتحدث دون خوف من الفشل. ومن المهم أن يعلم الطفل أن حب والديه وتقديرهم له غير مشروط بمدى طلاقته في الكلام – فسواء تكلم بطلاقة أو تعثر في النطق، يبقى محبوبًا ومقبولًا. هذا الشعور بالأمان الأسري يعتبر قوة دافعة كبيرة لتحسين طلاقة الطفل، إذ يُعزز ثقته بنفسه ويقلل من القلق الذي قد يصاحب محاولة الكلام.
طرق وأساليب مهمه لتقليل التلعثم

هناك العديد من الإستراتيجيات المنزلية التي يمكن للأهل اتباعها لمساعدة الطفل على تقليل التلعثم وتحسين انسياب كلامه. معظم هذه الأساليب تركّز على جعل بيئة الحديث أكثر هدوءًا وتقبلًا بالنسبة للطفل، وتدريبه بشكل غير مباشر على نمط كلام أكثر سلاسة. فيما يلي بعض الطرق الفعّالة المدعومة من خبراء التخاطب:
- التحدث ببطء وهدوء
اعتماد الوالدين لنمط كلام بطيء مع فواصل طبيعية بين الجمل يرسل رسالة للطفل بأن عليه ألا يتعجل بالكلام. يُنصح أن يتحدث الأهل مع الطفل بشكل غير متسارع وبنبرة هادئة ليقتدي بهم الطفل في ذلك. عندما يسمع الطفل هذا النموذج المطمئن من الكلام، سيشعر بأن لديه متسعًا من الوقت للتعبير دون عجلة مما يقلل تلعثمه.
- عدم مقاطعة الطفل أو إكمال كلماته
من الضروري أن يتجنب الأهل مقاطعة الطفل أثناء حديثه حتى لو تعثر. يجب الانتظار بصبر حتى ينطق الطفل الكلمة التي يحاول قولها، وألا يسارع الوالدين إلى إكمال الجملة عنه أو تصحيحها. إعطاء الطفل فرصته الكاملة في الحديث يعلّمه أنه يستطيع إيصال فكرته دون أن ينوب أحد عنه، ويُشعره بأن كلماته لها قيمة مهما كانت وتيرتها.
- تقليل الأسئلة المباشرة الكثيرة
طرح سيل من الأسئلة على الطفل يمكن أن يضعه تحت ضغط ويزيد تلعثمه. بدلًا من ذلك، يُفضَّل أن يقوم الأهل بالتعليق على حديث الطفل بدلًا من استجوابه باستمرار. مثلًا، إذا أخبر الطفل عن شيء فعله، يمكن للأم أن تقول: “آه، أنت بنيت برجًا بالمكعبات!” بدلًا من سؤاله “ماذا بنيت؟ ولماذا؟”. هذا الأسلوب يُشعر الطفل بأن ما يقوله مسموع ومهم دون أن يكون ملزمًا بالرد السريع على أسئلة متتالية.
- تخصيص وقت يومي للحديث الهادئ
يوصي المختصون بأن يخصّص الوالدان بضع دقائق كل يوم يقضونها مع الطفل في حديث هادئ بدون مشتتات. يمكن أن يكون ذلك قبل النوم أو أثناء تناول وجبة معًا. خلال هذا الوقت، دع الطفل يقود دفة الحوار؛ إذا شاء تكلم أو إن آثر الصمت فلا بأس. المهم أن يشعر بأن هناك وقتًا مريحًا للكلام بدون أي ضغوط. جلسات الحديث اليومية هذه تقوي رابطة التواصل بين الطفل ووالديه وتبني ثقته في التكلم تدريجيًا.
- تشجيع الحديث بالدور داخل الأسرة
على جميع أفراد العائلة تعلم فن أخذ الأدوار في الحديث والإصغاء. فمن المفيد أن يسود جو من الحوار حيث يتحدث شخص واحد في الوقت نفسه بينما ينصت الباقون. الأطفال (خصوصًا الذين يتلعثمون) يجدون سهولة أكبر في الكلام عندما لا يتم مقاطعتهم وعندما يحظون باهتمام المستمعين الكامل. يمكن تنظيم أحاديث عائلية قصيرة يتناوب فيها الأب والأم والأبناء على الكلام والاستماع، فهذا يرسل رسالة ضمنية للطفل أن كلامه سيُسمع حين يأتي دوره كاملاً دون استعجال.
- تهيئة جو منزلي هادئ وخالٍ من التوتر
يجب قدر الإمكان إبعاد الطفل المتلعثم عن أسباب التوتر والصخب الزائد في المنزل. فالأجواء الهادئة والمريحة تشجعه على الحديث بحرية دون أن يشعر أنه تحت المجهر. مثلاً، إغلاق التلفاز أو أي ضوضاء أثناء تحدث الطفل، والحرص على ألا يتحدث الجميع في آن واحد بصوت عالٍ. أيضًا من المهم تجنب إظهار الانفعالات السلبية عند حدوث التلعثم؛ فتعابير الانزعاج أو نظرات القلق من الوالدين قد يلتقطها الطفل فتزيد ارتباكه. الحفاظ على ابتسامة دافئة ونظرة مشجعة حتى عند تعثر الكلمات يطمئن الطفل أن الموقف عادي وليس كارثيًا.
أفضل الاستراتيجيات لتقليل التلعثم وكيفية تنفيذها

إلى جانب تهيئة البيئة الداعمة، يمكن للأهل ممارسة بعض التمارين المنزلية البسيطة التي تعزز طلاقة كلام الطفل بشكل تدريجي. هذه التمارين مُجربة في مجال علاج النطق، ويمكن تنفيذها بطريقة مرحة وتفاعلية في البيت.
- تمرين الكلام البطيء الإيقاعي
يقوم هذا التمرين على التحدث بوتيرة أبطأ من المعتاد مع استخدام إيقاع أو فواصل واضحة. يمكن للوالدين والطفل أن يتناوبوا جملة بعد جملة، محاولين التحدث ببطء شديد وكأنهم يُقطعون الكلمات إلى مقاطع منفصلة. مثلًا: بدلًا من قول “كيف حالك اليوم؟” بسرعة، نقولها هكذا: “كيـف.. حـالـك.. الـيـوم؟” مع ترك فاصل جزء من الثانية بين كل كلمة أو مقطع.
يُعلِّم هذا التمرين الطفل عدم الاستعجال في إخراج الكلمات. لجعل الأمر ممتعًا، يمكن استخدام التصفيق أو الطبول الصغيرة لضبط الإيقاع أثناء الكلام، فيتعلم الطفل أن يتكلم وفق إيقاع منتظم (هناك تقنية معروفة باسم «الكلام بالمقاطع الزمنية» أثبتت فعالية كبيرة عند الممارسة اليومية). ممارسة هذا التمرين لـ10 دقائق يوميًا على شكل لعبة يمكن أن يحسن الطلاقة مع الوقت، وقد وجدت بعض البحوث أن التدريب على الكلام الإيقاعي بهذه الطريقة قلل التلعثم بنسبة كبيرة لدى الأطفال الصغار عند الاستمرار عليه.
- تمرين المد والتهدئة (البدايات السهلة)
في هذا التمرين يتدرب الطفل بمساعدة الأهل على مد الأصوات الأولى من الكلمة بسلاسة بدلًا من أن ينطقها بصورة متقطعة. فمثلاً إذا كان سيقول كلمة “سيارة” ويتلعثم عادة في صوت السين، نعلمه أن يأخذ نفسًا هادئًا ثم يقول: “سـسـسـيارة” بمد الصوت الأول قليلاً ثم إكمال الكلمة. هذه الطريقة تسمى أحيانًا “البدايات السهلة” أو Easy Onset، حيث يتعلم الطفل الدخول في الكلمة بسهولة دون ارتطام مفاجئ في الصوت الأول.
يمكن للوالدين تحويل هذا لتمرين مرح، كأن يتسابقوا مع الطفل من يمكنه مد الصوت الأول أكثر (ضمن المعقول) ثم نطق بقية الكلمة بشكل طبيعي. الهدف هو أن يدرك الطفل أنه يستطيع التحكم ببداية كلامه عبر التروي ومد الصوت بدلاً من أن ينحشر فيه.
- تمرين القراءة الجماعية
القراءة بصوت عالٍ من أفضل التدريبات لتحسين الطلاقة. يمكن للوالدين اختيار قصة قصيرة يحبها الطفل والقراءة معه سويةً. في البداية قد يبدأ الوالد بالقراءة ببطء ووضوح والطفل يستمع، ثم يطلب من الطفل أن يقرأ هو جملة أو فقرة بينما الوالد يُسانده. إذا تعثر الطفل في كلمة، يُمكن للأب أو الأم أن ينطقاها بهدوء بعد انتظار ثوان قليلة، ثم يدعواه لإعادة المحاولة دون ضغط.
الهدف هو أن يعيش الطفل تجربة القراءة الممتعة دون خوف من الخطأ. مع الوقت سيكتسب إيقاعًا أكثر ثباتًا في الكلام. ويمكن أيضًا تجربة القراءة بالتناوب: الوالد يقرأ جملة ثم الطفل يقرأ التالية، وهكذا. هذا يُشعر الطفل بالأمان لأن الوالد موجود لدعمه إن لزم الأمر. القراءة بصوت عالٍ توسع أيضًا مفردات الطفل وتزيد ثقتة بنفسه كمُتحدث. من المفيد أيضًا أحيانًا تسجيل قراءة الطفل (بهاتف مثلًا) ثم تشغيلها له بشكل خاص لإظهار مدى التحسن وتشجيعه، وليس بهدف النقد.
- استخدام التعزيز الإيجابي والتغذية الراجعة اللطيفة
يُعد هذا التمرين جزءًا أساسيًا من بعض البرامج العلاجية (مثل برنامج ليدكومب (Lidcombe) الشهير لعلاج التلعثم عند الصغار). فكرته أن يكون رد فعل الأهل على كلام الطفل مشجعًا عندما يتكلم بطلاقة، ولطيفًا وموجهًا عندما يتلعثم.
هذا المديح يُحفّز الطفل ويعزز ثقته. وفي حال تعثر الطفل وواجه لحظة تلعثم صعبة، يمكن إظهار التفهم والانتظار وإذا أنهى الكلمة بصعوبة، يمكن أن يطلب الوالد بلطف: “هل يمكنك أن تحاول قولها مرة أخرى بهدوء؟”.
المهم أن يتم كل ذلك بنبرة هادئة ودون انفعال. بعض الأطفال قد لا يتقبلون فكرة إعادة الكلمة أو التعليق على تلعثمهم، فإن أبدى الطفل انزعاجًا من أي تعليق سلبي، ينبغي التوقف فورًا عن هذا الأسلوب والتركيز فقط على التشجيع. القاعدة الذهبية هنا هي نسبة 5 إلى 1: أي خمسة تعليقات إيجابية مقابل كل تعليق تصحيحي أو توجيهي بشأن التلعثم. بهذه الطريقة يدرك الطفل أن أغلب التركيز من والديه هو على نجاحاته في الكلام وليس على تعثره.
يمكن تطبيق هذه التمارين بشكل مرح ومتفاوت خلال الأسبوع. المفتاح هو عدم إجبار الطفل على التمرين وهو غير مرتاح أو جعله يشعر أنها مهمة رسمية. يمكن دمج التمارين ضمن أنشطة محببة: كأن تكون جزءًا من اللعب (مثلاً لعبة المطعم بحيث يصف الطفل طلبه ببطء، أو لعبة المعلم والتلميذ فيقرأ قصة)، أو ضمن جلسات عائلية دافئة كما ذكرنا. ومع مرور الوقت، سيبدأ الطفل بنقل ما تعلمه من مهارات خلال هذه التمارين إلى حديثه اليومي تلقائيًا، فتصبح جزءًا من طريقته في الكلام.
دور بيئة المنزل في تحفيز الطفل وتشجيعه على الحديث
إضافة إلى التدريب والتمارين، تلعب بيئة المنزل اليومية دورًا بالغ الأهمية في تشجيع الطفل المتلعثم على الكلام بطلاقة أكبر. البيئة الداعمة هي التي يشعر فيها الطفل بالأمان للتحدث والتعبير دون خوف من الحكم السلبي. فيما يلي بعض جوانب البيئة المنزلية المحفزة للكلام:
- الأجواء الإيجابية الخالية من الضغط
يجب أن يسود المنزل مناخ هادئ ومطمئن للطفل. تجنبوا قدر الإمكان الصراخ أو المشاحنات أمام الطفل، فالتوتر العام قد يزيد من قلقه ويثبط رغبته في الكلام. أيضًا لا تجعلوا الحديث تجربة يرافقها إحساس بالإلحاح أو الترقب الدائم. مثلًا، إذا كان الطفل يواجه صعوبة أثناء سرد حكاية، لا تستعجلوه بعبارات مثل “يلا بسرعة أخبرني”، بل امنحوه الوقت الذي يحتاجه. عندما يعرف الطفل أن منزله ملاذ آمن للتعبير وليس مكانًا يزيد فيه الضغط، سيكون أكثر استعدادًا للمحاولة والكلام.
- تعزيز الثقة وتشجيع المبادرات الكلامية
امدحوا طفلكم عندما يبدأ محادثة أو يشارك برأيه، حتى لو كانت هناك بعض التلعثمات. التركيز على محتوى كلام الطفل لا شكله أمر مهم جدًا. أظهروا اهتمامكم بما يقول من أفكار وقصص، وتفاعلوا معها بإيجابية. مثلًا، لو حاول الطفل أن يروي ما حدث معه في المدرسة وتعثر قليلاً، يمكن للأب أن يبتسم ويقول: “يبدو أنه كان يومًا ممتعًا، أخبرني المزيد!” دون أي ذكر للتأتأة.
هذا يشجعه على مواصلة الحديث. أيضًا أعطوا الطفل أدوارًا في الحوار العائلي: اسألوه عن رأيه في موضوع بسيط يهمه (كبرنامج كرتون يحبه أو نشاط يريد القيام به في العطلة)، واجعلوه يشعر أن صوته مسموع وله قيمته ضمن الأسرة. كلما نجح الطفل في إيصال فكرة وشعر أن الآخرين أصغوا وتفاعلوا، زادت ثقته بقدراته التواصلية.
- إشراك الأخوة والأفراد الآخرين
إن كان في البيت إخوة أو أفراد آخرون، فمن المفيد توعيتهم بطريقة التعامل مع الطفل المتلعثم. على الإخوة أن يتحلّوا بالصبر أيضًا وألا يسخروا من تلعثم أخيهم أو يقاطعوه. يمكن للأبوين تخصيص جلسة عائلية يشرحون فيها للإخوة (بأسلوب مبسط ومناسب لأعمارهم) أن أخاهم يحتاج فقط لمزيد من الوقت للكلام، وأن علينا جميعًا دعمه كما نحب أن يُعاملنا الآخرون. هذا يخلق جواً من التعاون الأسري حيث يصبح الجميع مشجعين للطفل. وإذا شعر الطفل أن أخوته أيضا ينتظرونه بصبر ويعاملونه بشكل عادي، سيكتسب جرأة أكبر على الحديث ضمن العائلة ثم خارجها.
- توفير فرص تحدث ممتعة وغير رسمية
شجعوا الطفل على الكلام من خلال نشاطات محببة. مثلاً، أثناء الطبخ يمكن للأم أن تطلب من الطفل المساعدة بوصف المكونات (“قل لي ماذا نحتاج لعمل الكعكة؟”) بشكل تلقائي. أو أثناء اللعب بالدمى يمكن ابتكار حوار بين الدمى يقوده الطفل. أيضًا يمكن ترتيب لقاءات لعب مع أصدقاء مقربين يفهمون حالة الطفل، ليتمرن على الكلام معهم في جو مرح.
فكلما مارس الطفل الكلام في مواقف متنوعة داخل المنزل (وأيضًا خارجه برفقة الأهل)، قلّت رهبة الكلام لديه. تذكروا أن الطفل المتلعثم قد يتردد في الكلام إذا شعر أن الحديث أصبح اختبارًا أو موقفًا رسميًا، لذا اجعلوا معظم محادثاته تأتي عفوية وفي سياق أنشطة يحبها.
باختصار، البيت بما يحتويه من أشخاص وأجواء يمكن أن يكون أفضل مكان ينمو فيه الطفل لغويًا. البيت هو مساحته الآمنة الأولى؛ فإذا نجحنا في جعلها داعمة له لغويًا ونفسيًا، سينعكس ذلك على جرأته في الكلام خارج المنزل أيضًا. التحفيز هنا يأتي من الحب غير المشروط والتقبل أكثر من أي شيء آخر – وهذا بحد ذاته علاج معنوي قوي للتلعثم.
نصائح للوالدين للتعامل مع لحظات التلعثم دون إحراج الطفل

لا تخلو جهود مساعدة الطفل المتلعثم من لحظات صعبة يعلق فيها الكلام ويتلعثم الطفل بشكل واضح. وتؤثر طريقة استجابة الوالدين في تلك اللحظات كثيرًا على شعور الطفل تجاه نفسه وتجاه الكلام، إليكم مجموعة من النصائح العملية لكيفية التصرف أثناء لحظة التلعثم دون إحراج الطفل أو إشعاره بالذنب:
- استمعوا بصبر واهتمام: عندما يبدأ الطفل بالتلعثم في جملة ما، أبسط ما يمكنكم فعله وأهمّه هو أن تحافظوا على تواصل بصري لطيف معه وتنتظروا بهدوء حتى يُنهي كلمته أو فكرته. أومئوا برأسكم مشجعين وأظهروا أنكم مهتمون بما يقول وليس بكيفية نطقه. تجنبوا إظهار علامات نفاد الصبر (كالنظر للساعة أو مقاطعته لإكمال الكلام). هذا الصبر يُشعر الطفل أنكم حقًا تستمعون إليه وتحترمون محاولته للتواصل.
- لا تُكملوا كلامه بدلاً منه: قد يشعر الأهل أحيانًا برغبة في إنقاذ الموقف عبر نطق الكلمة التي يعلق عندها الطفل. لكن هذا التصرف – رغم حسن النية – يُشعر الطفل بالعجز وربما بالإحراج، إذ يوصل رسالة مفادها أن المتلقي لا يستطيع انتظار كلماته. لذا امتنعوا عن تكميل الجمل أو تزويد الكلمات المفقودة، حتى لو تأخر الطفل في نطقها.
- حافظوا على تعابير وجه ونبرة صوت محايدة ومطمئنة: أثناء تلعثم الطفل، إياكم وإظهار انفعال سلبي – لا تعبّروا عن القلق بملامح الوجه، لا ترفعوا الحاجبين استغرابًا، ولا تتنهدوا. تصرفوا وكأن الأمر عادي جدًا. يمكنكم الابتسام بخفة أو إبقاء ملامح مشجعة. وكذلك نبرة الصوت عند الحديث معه يجب ألا تتغير؛ لا تتحدثوا إليه بلهجة شفقة أو لهفة زائدتين، فقط بهدوء ولطف كالمعتاد. الطفل حساس جدًا لملامح والديه، فإذا لمح في أعينكم الانزعاج أو الشفقة قد يشعر بالخجل أو أن فيه خطبًا ما.
- تجنبوا النقد والتوبيخ تمامًا: من المهم جدًا ألا يوبَّخ الطفل على تلعثمه أو يُشعر أنه ارتكب خطأ. بعض العبارات التي قد تقال عن غير قصد مثل “لقد أخطأت الكلمة، انطقها صحيحًا” أو “كم مرة قلت لك تكلم بوضوح!” هي مدمرة لثقة الطفل. النقد أو العقاب على التلعثم مرفوض تمامًا.
أيضًا تجنبوا إطلاق الأوصاف عليه مثل “متلعثم” أمامه أو أمام الآخرين، حتى لا تتكرس الفكرة لديه. عوضًا عن ذلك، ركزوا على إيجابيات كلامه. وإن نجح في قول كلمة صعبة بشكل صحيح، اثنوا عليه مباشرة لتدعيم تجربته الإيجابية.
- لا تعطوا تعليمات أمرية أثناء التلعثم: كثيرًا ما يلجأ البعض لقول “تكلّم ببطء” أو “خُذ نفسًا” أو “اهدأ قبل أن تتكلم” ظنًا أن ذلك يساعد الطفل. الواقع أن هذه التوجيهات اللحظية قد تزيد الضغط عليه؛ فهو يعلم أنه يجب أن يهدأ أو يبطئ ولكن المشكلة أنه يواجه صعوبة خارج إرادته.
لذا فالأفضل عدم إملاء تعليمات مباشرة في لحظة التلعثم. بدل النصائح اللفظية، طبقوا ما ذكرناه سابقًا: أنتم نفسكم كونوا نموذجًا هادئًا – اخفضوا سرعتكم أنتم في الكلام وردّوا بجمل قصيرة بسيطة، فيلتقط الطفل هذا النمط دون أن يشعر أنه يُنتقد. وإن كان لا بد من توجيه، اجعلوه بطريقة غير مباشرة وبعد انتهاء اللحظة الحرجة، كأن تقولوا أثناء ممارسة تمرين في وقت لاحق: “نحاول كلنا نتكلم على مهل حتى نقدر نقول الكلام بسهولة”.
- طمئنوا الطفل بعد انتهاء الموقف: إذا لاحظتم أن الطفل تضايق من نفسه بعد نوبة تلعثم، لا تتركوها تمر دون تطمين. يمكن مثلاً بعد أن ينهي حديثه بصعوبة أن تحتضنه الأم وتقول: “أنا فخورة بك لأنك حاولت وتكلمت… التلعثم يحصل أحيانًا لكنه لا يهمني بقدر ما يهمني ما تقوله لي”.
هذه الرسالة تمسح آثار أي إحراج شعر به، وتُشعره أنه مفهوم ومقبول. أما إذا مر الموقف بسلام ولم يظهر انزعاجًا، فيمكن عدم التطرق للأمر إطلاقًا حتى لا نلفت نظره إليه. الفكرة هي أن نمنح الطفل الأمان بعد أي تعثر، وأن نؤكد على أننا سمعنا المعنى ووصلتنا فكرتُه مهما كانت الطريقة.
- التعامل مع تعليقات الآخرين باحترافية: قد يحدث أن يتواجد الطفل في موقف أمام غرباء أو أقارب ويظهر تلعثمه، وربما يدلي أحد الحاضرين بتعليق محرج (بدون قصد أو بجهل). دور الوالدين هنا حماية الطفل نفسيًا. إن سخر طفل آخر منه مثلاً، يجب توجيه ذلك الطفل بلطف وتعليمه أن هذا التصرف مؤذٍ. وإن طرح أحد الكبار سؤالاً محرجًا أمام الطفل مثل “لماذا يتلعثم هكذا؟”، يمكن الرد بإيجاز أمام الطفل: “إنه يحتاج فقط لبعض الوقت عندما يتكلم، والأمر طبيعي.” ثم إنهاء الحديث عن الموضوع.
الأهم ألا نجعل الطفل نفسه محور نقاش عن تلعثمه أمامه. أيضًا بعد الموقف يمكن التحدث مع الطفل على انفراد إن كان متضايقًا: اسألوه كيف شعر وطمئنوه أن كثيرين من الأطفال والناس يتلعثمون وهذا ليس أمرًا مُخجِلًا أبدًا. علموه ردودًا بسيطة يمكن أن يقولها إن ضايقه أحد بشأن كلامه (مثل: “أنا أتكلم بطريقتي الخاصة وكل منا مختلف”) كي يكون مستعدًا ويشعر بالثقة. عندما يعلم الطفل أن والديه دائمًا في صفه ويدافعان عنه باحترام، سيشعر بالطمأنينة مهما واجه في الخارج.
تلخيصًا، لحظات التلعثم الحرجة تحتاج حكمة في التصرف. تذكروا أن الطفل غالبًا يكون أكثر توترًا منكم خلال التلعثم، لذا ردّة فعلكم الهادئة الواثقة تساعده على استعادة رباطة جأشه. عاملوه في تلك اللحظات كما تعاملونه في لحظات الكلام العادي – فهذا أفضل دعم نفسي يمكن تقديمه. ومع الوقت، سيتعلم الطفل نفسه الهدوء عند حدوث التلعثم من خلال اقتدائه بطريقة تعاملكم الهادئة.
أهمية التعاون مع اختصاصي النطق في وضع خطة منزلية

على الرغم من الدور المحوري للأسرة في مساعدة الطفل المتلعثم، إلا أن التعاون مع أخصائي أمراض النطق واللغة يبقى ضروريًا لوضع خطة علاجية شاملة ومتكاملة. وأخصائي النطق (Speech Therapist) هو الشخص المؤهل علميًا لتقييم درجة التلعثم لدى الطفل وتحديد الأساليب العلاجية الأنسب لعمره وحالته. إليكم لماذا وكيف يكون التعاون مع المختص مهمًا:
- التقييم المهني ووضع خطة مخصصة
قد يبدو أن حالة التلعثم متشابهة بين الأطفال، لكن في الواقع لكل طفل نمط وصعوبة خاصة. سيقوم الأخصائي بإجراء تقييم شامل لطلاقة الطفل، ويأخذ بعين الاعتبار عوامل مثل: متى يزيد التلعثم (مثلاً تحت الضغط أو عند الإجهاد)، نوع الأخطاء الأكثر حدوثًا (تكرار، إطالة، توقف)، الحالة العاطفية للطفل وغيرها.
بناءً على ذلك يضع خطة علاجية مصممة لحاجة الطفل الفردية. هذه الخطة عادةً ما تتضمن جلسات علاجية مباشرة مع الطفل، بالإضافة إلى إرشادات وتدريبات للأهل لتطبيقها في المنزل. هنا يكون دور الأسرة تكميليًا لدور المعالج؛ فجلسة أو اثنتان أسبوعيًا عند الأخصائي لن تكفي بدون دعم يومي في البيت، والعكس صحيح.
- تعليم الوالدين استراتيجيات فعّالة
المعالج المختص سيكون بمثابة مدرب للوالدين أيضًا. سيشرح لكم بالتفصيل أفضل الطرق للتعامل مع الطفل، وربما يصحح بعض الممارسات الخاطئة (مثلاً قد ينبهكم أنكم دون قصد تقاطعون الطفل أو تكثرون الأسئلة – كما ذكرنا – فيوجهكم لتعديل ذلك). قد يُطلعكم على تقنيات علاجية حديثة ويعلمكم كيفية تطبيقها في المنزل.
على سبيل المثال، بعض المختصين يطبقون برامج معينة مثل برنامج ليدكومب (Lidcombe) لعلاج التلعثم لدى الصغار، وهو برنامج يعتمد بشكل كبير على تدريب الوالدين على إعطاء تعزيز إيجابي وتصحيح خفيف في المنزل. في هذه الحالة، سيتولى الأخصائي تدريب الأهل على البرنامج ومتابعة أدائهم، بينما ينفذ الأهل الجزء اليومي مع الطفل في البيت. هكذا يكون الوالدان شريكين فاعلين في العلاج تحت إشراف المختص.
- المتابعة وتعديل الخطة بحسب التقدم
التعاون المستمر مع الأخصائي يضمن مراقبة تطور حالة الطفل بمرور الوقت. قد يُحرز الطفل تقدمًا ملحوظًا في جوانب معينة ويظل يواجه صعوبة في جوانب أخرى – المعالج هو من يستطيع تقييم ذلك بطريقة قياسية. بناءً على تقدم الطفل، يمكن تعديل الخطة العلاجية أو تغيير التمارين لإبقائها ملائمة لمستواه الحالي.
الأهل سيزودون المختص بتقارير عن أداء الطفل في المنزل (مثلاً: عدد مرات التلعثم اليومية إن كان يطلب منهم تسجيلها، أو مواقف معينة ظهر فيها تحسن أو تراجع). هذا التواصل يغذي خطة العلاج ويجعلها أكثر ديناميكية وكفاءة. من جهة أخرى، إذا شعر الأهل بالإحباط لبطء التحسن، فإن الأخصائي قادر على طمأنتهم وإبراز الجوانب الإيجابية وتشجيعهم على الاستمرار – فهو خبير بمنحنى تطور التلعثم ويعرف أن الصبر والثبات ضروريان.
- الاستفادة من أحدث التقنيات والموارد
اختصاصي النطق مطّلع على الأبحاث الحديثة في مجال اضطرابات الطلاقة، وبالتالي قد يستخدم تقنيات جديدة أو أدوات مساعدة لتحسين طلاقة الطفل. على سبيل المثال، قد يوصي في بعض الحالات الخاصة باستخدام أجهزة إلكترونية معينة تساعد على تحسين الطلاقة (كأجهزة التنبيه السمعي أو صدى الكلام Delayed Auditory Feedback) إذا رأى أنها تناسب طفلك. أيضًا قد يوفر مواد تعليمية – ككتيبات للأهل أو ألعاب علاجية – يمكن استخدامها في المنزل. التعاون مع المختص يفتح أمام الأسرة موارد متعددة تثري تجربتهم العلاجية في البيت بدل الاعتماد على الاجتهاد الشخصي فقط.
لذلك ننصح كل أسرة لديها طفل يعاني من التلعثم ألا تتردد في طلب مساعدة أخصائي تخاطب مؤهل. التعاون يمكن أن يبدأ بخطوات بسيطة: حجز موعد تقييم، مناقشة الأهداف العلاجية ووضع خطة، ثم حضور الجلسات بانتظام والمتابعة في المنزل كما يُوجّه المختص.
الخلاصة
يلعب الأهل دور البطولة في قصة تعافي طفلهم من التلعثم. فبالصبر والمحبة والتوجيه السليم، تستطيع الأسرة تحويل المنزل إلى بيئة علاجية داعمة تساند ما يقدمه أخصائي النطق من خدمات. إن تحسين نطق الطفل يتطلب تضافر الجهود: دعم أسري يحيطه بالثقة والقبول، وتدريبات يومية بسيطة لكنها مستمرة، وتعاون وثيق مع خبراء التخاطب. عندما يشعر الطفل أنه مفهوم ومحبوب لدى أسرته تمامًا كما هو، فإن الكثير من مخاوفه من الكلام تتلاشى. لا توجد حلول سحرية بين ليلة وضحاها، لكن كل خطوة صغيرة يخطوها الوالدان يوميًا مع طفلهما تصنع فرقًا تراكمياً عظيمًا.
الرسالة الأهم التي يحتاج الطفل المتلعثم لسماعها ورؤيتها هي: «نحن معك، ونفهمك، ونؤمن بقدرتك على التكلم بطريقتك الخاصة».
الأسئلة الشائعة
هل يمكن علاج التلعثم نهائيًا في المنزل؟
التدريب المنزلي يلعب دورًا مهمًا، لكنه لا يغني عن التقييم والمتابعة مع أخصائي النطق. التمارين المنزلية والدعم النفسي يُحسّنان طلاقة الطفل، لكن العلاج المهني يساعد في تشخيص الحالة بدقة وتوجيه الأهل بشكل صحيح.
ما أفضل عمر لبدء علاج التلعثم؟
كلما بدأ العلاج مبكرًا (من عمر 3–6 سنوات)، كانت النتائج أفضل. التدخل المبكر يساعد في تقليل شدة التلعثم ويمنع تفاقم القلق المرتبط بالكلام.
هل الخوف أو التوتر سبب في تلعثم الطفل؟
الخوف والتوتر لا يسببان التلعثم، لكنهما قد يزيدان شدّته. التلعثم اضطراب عصبي في الأساس، لكن البيئة النفسية تلعب دورًا كبيرًا في تحسين أو تدهور الحالة.
هل من الأفضل تصحيح كلام الطفل عند التلعثم؟
لا. من الأفضل تجنّب تصحيح الطفل أثناء التلعثم. بدلًا من ذلك، كن مستمعًا هادئًا، ولا تُكمل الجملة عنه أو تطلب منه الإعادة. الدعم والتشجيع أفضل من التصحيح المباشر.
هل يجب أن نتحدث مع الطفل عن تلعثمه؟
نعم، لكن بلطف ووعي. إذا لاحظت أن الطفل يشعر بالإحباط أو يسأل عن حالته، تحدث معه بصراحة مطمئنة. أكّده أنه ليس وحده، وأن التلعثم لا يقلل من ذكائه أو أهميته.
ما الفرق بين التمارين المنزلية وجلسات العلاج؟
التمارين المنزلية تُنفّذ في بيئة يومية وتعزز التكرار والدعم العاطفي. جلسات العلاج تتم تحت إشراف مختص وتستخدم تقنيات مدروسة لتطوير مهارات الطفل بناءً على تقييم متخصص.
هل يمكن أن يعود التلعثم بعد التحسن؟
نعم، التلعثم قد يظهر ويختفي على فترات، خاصة في المواقف الجديدة أو المجهِدة. لكن استمرار الدعم في المنزل والمتابعة مع المختص يُقلّل من احتمالية عودته أو تأثيره على الطفل.
المصادر:
- American Speech-Language-Hearing Association – Stuttering
- Stuttering Exercises for Children at Home
- Australian Stuttering Research Centre – University of Technology Sydney – Stuttering Treatment Activity Guide (School-age Children)
- Best At Home Stammering Treatment And Advice
- Stuttering interventions for children, adolescents, and adults: a systematic review as a part of clinical guidelines
- Stuttering Treatment Approaches from the Past Two Decades: Comprehensive Survey and Review