تعد القدرة على استخدام لغتين أو أكثر من المهارات المهمة في العصر الحديث، حيث تساهم في تعزيز التواصل وفهم الثقافات المختلفة، ومع ذلك، تثير ثنائية اللغة عند الأطفال العديد من التساؤلات حول تأثيرها على جوانب مختلفة من النمو الإدراكي، خاصة الانتباه حيث تشير الأبحاث إلى أن الأطفال ثنائيي اللغة قد يظهرون قدرات في مجالات معينة، مما يستدعي دراسة تأثير هذه الظاهرة على الانتباه التنفيذي.
ما هي ثنائية اللغة عند الأطفال؟
ثنائية اللغة أو الثنائية اللغوية تعني استخدام لغتين أو أكثر بشكل متساوٍ أو متداخل في الحياة اليومية. يمكن أن تكون ثنائية اللغة ناتجة عن التعرض للغتين منذ الطفولة أو تعلم لغة جديدة في مرحلة لاحقة. يتعرض الأطفال ثنائيي اللغة لتحديات فريدة تتعلق بإدارة لغتين مختلفتين، مما قد يؤثر على مهاراتهم المعرفية، بما في ذلك الانتباه.
مفهوم الانتباه التنفيذي
هو القدرة على التركيز على المهام المهمة، وتجاهل المشتتات، وإدارة أكثر من نشاط أو فكرة في الوقت نفسه.
تخيل طفلًا يتحدث لغتين (مثلاً العربية والإنجليزية)، وفي أحد الأيام كان يشرح لأصدقائه قصة. خلال حديثه، قد يحتاج إلى اختيار الكلمات المناسبة بلغة واحدة دون الخلط بين اللغتين، مع الحفاظ على تسلسل الأفكار وتركيز المستمعين. هذه العملية تتطلب من الدماغ إيقاف الكلمات من اللغة الأخرى التي يعرفها الطفل، والانتقال السلس بين اللغتين عند الضرورة. هذا التمرين اليومي للدماغ يعزز الانتباه التنفيذي لديه.
العلاقة بين الانتباه وثنائية اللغة
تشير الدراسات إلى أن الأطفال ثنائيي اللغة يظهرون قدرة أعلى على التركيز وتجاهل المشتتات مقارنة بأقرانهم أحاديي اللغة. فقد أظهرت الأبحاث أن الأطفال الذين يتحدثون لغتين يمكنهم إعادة توجيه انتباههم بسرعة أكبر، مما يسهل عليهم التعامل مع المواقف المختلفة بكفاءة
فوائد ثنائية اللغة للأطفال
أظهرت دراسة حديثة أن الأطفال ثنائيي اللغة يتفوقون على أقرانهم أحاديي اللغة في مهام تتطلب الانتباه التنفيذي. كما أظهرت الأبحاث أن هذه الفئة من الأطفال تتعامل بشكل أفضل مع المعلومات المعقدة وتستطيع إدارة الانتباه بشكل أكثر فعالية:
- تحسين القدرة على التركيز: الأطفال ثنائيي اللغة يميلون إلى تطوير مهارات تركيز أفضل، مما يساعدهم في التعلم والتفاعل الاجتماعي.
- تحسين المرونة المعرفية: الأطفال ثنائيو اللغة غالبًا ما يتنقلون بين لغتين، مما يعزز قدرتهم على التكيف بسرعة ويحسن مرونتهم المعرفية. هذا يساعدهم على التحكم في الانتباه بشكل أفضل والتنقل بين المهام بكفاءة أكبر.
- تحسين الانتباه الانتقائي: التعامل المستمر مع لغتين يساعد الأطفال على تطوير قدرة قوية على الانتباه الانتقائي. يتعلمون التركيز على المعلومات المهمة وتجاهل المشتتات، وهي مهارة يمكن تطبيقها حتى في المهام التي لا تتعلق باللغة.
- تشير الأبحاث إلى أن ثنائية اللغة تعزز من قدرة الأطفال على الانتباه إلى أصوات الكلام، مما يؤدي إلى تحسين الاستجابات العصبية للكلام المسموع مقارنةً بالأطفال أحاديي اللغة. هذه القدرة المتزايدة على الانتباه قد تسهم في تسهيل تعلم اللغة ومعالجتها بشكل أفضل، مما يعزز الفوائد المعرفية المرتبطة بثنائية اللغة.
تحديات ثنائية اللغة والانتباه
الأطفال ثنائيو اللغة قد يواجهون تحديات تتعلق بالانتباه بسبب حاجتهم المستمرة للتعامل مع لغتين، من أبرزها:
- صعوبات في اكتساب اللغة: بعض الأطفال قد يعانون من تأخر في تطوير مهارات اللغة
- القلق من الأداء: قد يشعر الأطفال بالضغط لتحقيق مستوى عالٍ في كلا اللغتين، مما قد يؤثر على ثقتهم بأنفسهم
- التشويش اللغوي: في مراحل تطورهم المبكرة، قد يعاني الأطفال من خلط بين اللغتين، مما يؤثر على قدرتهم على الانتباه للتعلم أو الفهم بلغة واحدة
- زيادة العبء المعرفي: إدارة لغتين قد تفرض عبئًا معرفيًا أكبر، خاصة عند الأطفال الصغار. هذا قد يجعل من الصعب عليهم الحفاظ على التركيز لفترات طويلة، خصوصًا في المهام التي تتطلب انتباهًا مستمرًا
- تباطؤ في ردود الأفعال: قد يعاني الأطفال ثنائيو اللغة من بطء طفيف في ردود الأفعال في المهام التي تتطلب الانتباه الفوري، حيث أن أدمغتهم تعالج معلومات لغوية أكثر تعقيدًا مقارنةً بالأطفال أحاديي اللغة.
ختامًا، تعتبر ثنائية اللغة ميزة قوية تعزز من قدرات الأطفال في مجالات متعددة، بما في ذلك الانتباه التنفيذي. على الرغم من التحديات التي قد تواجههم، فإن الدعم المناسب والتشجيع يمكن أن يساعد الأطفال ثنائيي اللغة في تحقيق إمكاناتهم الكاملة. من المهم أن يدرك الآباء والمعلمون الفوائد العديدة لثنائية اللغة وأن يعملوا على توفير بيئة تعليمية تدعم هذه الظاهرة، مما يسهم في تطوير مهارات الأطفال بشكل شامل.
المصادر:
- بليستوك، إ.، وباراك، ر. (2012). ثنائية اللغة الناشئة: فوائد متباينة للوعي اللغوي والتحكم التنفيذي. الإدراك، 122(1)، 67-73.
- بليستوك، إ.، كرايك، ف. أ، جرين، د. و، وغولان، ت. ح. (2009). عقول ثنائية اللغة. العلوم النفسية في المصلحة العامة، 10(3)، 89-129.
- كارلسون، س. م.، وميلتزوف، أ. ن. (2008). تجربة ثنائية اللغة والوظائف التنفيذية لدى الأطفال الصغار. العلوم التنموية، 11(2)، 282-298.
- شانتال، ف. أ. ن.، فان ووندرن، إ.، كوتامانيس، إ.، كوتسترا، ج. ج.، ديجكسترا، ت.، وأونسورث، س. (2022). التأثير اللغوي المتبادل بين الأطفال ثنائيي اللغة المتزامنين والمتعاقبين المبكرين: تحليل استعراضي. مجلة لغة الطفل، 49(5)، 897-929.
- دي هوور، أ. (2009). اكتساب اللغة الأم ثنائية اللغة (المجلد 2). Multilingual Matters.
- هاكوتا، ك. (1986). مرآة اللغة: النقاش حول ثنائية اللغة. Basic Books, Inc.
- كونهيرت، ك. (2010). الأطفال ثنائيو اللغة مع ضعف اللغة الأولية: القضايا والأدلة والآثار المترتبة على الإجراءات السريرية. مجلة اضطرابات التواصل، 43(6)، 456-473.
- لووري، ل. (2015). ثنائية اللغة لدى الأطفال الصغار: الفصل بين الحقيقة والخيال. تورونتو: مركز هانن.
- ويتني، ج.، ودوايل، ج. م. (2018). تعلم لغتين أو أكثر. دليل كامبريدج لتعلم اللغة الإنجليزية كلغة ثانية، 43-52.